في غزة يظهر ثمن الاحتلال بوضوح قاسٍ: عائلات تعيش وسط أنقاض، مستشفيات ترزح تحت القصف، وأطفال يكبرون بين أصوات الانفجارات. خلف هذا الخراب الملموس، يروي رانجان سولومون قصة أقل ظهورًا لكنها شديدة الأثر، تكشف ارتباط الشركات ورؤوس الأموال الهندية بآلة الاحتلال الإسرائيلي.

بينما ترفع الخطابات السياسية في نيودلهي شعارات عن حقوق الإنسان والتنمية، تعكس حركة الاستثمارات واقعًا آخر حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية مع منظومة تُعمّق معاناة الفلسطينيين. ومع تفاقم الأزمة الإنسانية، يستمر تدفق رأس المال الهندي إلى قطاعات تدعم الحملات العسكرية والمستوطنات وآليات القمع اليومية.

يؤكد ميدل إيست مونيتور أن شركات هندية عامة وخاصة اندمجت في اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي. في قطاع الدفاع، دخلت مجموعة "أداني" في مشروعات لإنتاج طائرات مسيّرة مثل "هيرمس 900" التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في غزة.

هذه التقنيات ليست منتجات محايدة، بل أدوات تُستعمل مباشرة في عمليات تُخلّف قتلى ونازحين. إلى جانب ذلك، تشتري الهند مركبات مدرعة وتقنيات عسكرية متطورة، مما يربط رأس مالها بسلسلة عمليات تُبقي السيطرة الإسرائيلية على غزة والضفة.

شركات التكنولوجيا الهندية مثل TCS و"إنفوسيس" و"ريلاينس" تساهم أيضًا في بناء البنية الرقمية للاحتلال، حيث توفر برمجيات وأنظمة تدعم شبكات المراقبة في الأراضي المحتلة. هذه البنى الرقمية تسمح بمتابعة الفلسطينيين وتقييد حركتهم وتعزيز منظومة تشبّهها تقارير دولية بسياسة الفصل العنصري. هكذا تصبح الخبرة التقنية الهندية جزءًا من أدوات السيطرة اليومية التي تطال حياة الملايين.

الاستثمارات في المياه والزراعة تزيد التشابك. تعاونت شركات مثل "جين إريجيشين" و"أداني فنتشرز" مع شركة "ميكوروت" الإسرائيلية المسؤولة عن إدارة المياه في الضفة والمستوطنات. عبر هذا التعاون، تجني الشركات أرباحًا من نظام يحرم الفلسطينيين من موارد أساسية. الماء، شريان الحياة، تحوّل إلى أداة يُستخدم ضد مجتمع بأكمله، والاستثمار الهندي أصبح متداخلًا مع حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية.

حتى في البنية التحتية، تشارك شركات هندية في إنشاء طرق وخطوط أنابيب ومشروعات تدعم المستوطنات. ورغم تقديم هذه المشروعات كأنها تجارية بحتة، فإنها غالبًا تقوم على مصادرة أراضٍ فلسطينية وتعزيز موارد اقتصادية داخل منظومة الاحتلال. وبذلك لا تكون الشركات الهندية مجرد متفرج، بل عنصرًا رئيسيًا في استمرار نظام القمع.

التطور السياسي في الهند يعكس هذا التشابك الاقتصادي. تاريخيًا، دعمت نيودلهي حق الفلسطينيين في تقرير المصير، لكن في السنوات الأخيرة عمّقت علاقاتها مع إسرائيل تجاريًا وسياسيًا، بينما تعيش غزة أزمات إنسانية متصاعدة. التجارة الثنائية بلغت مليارات الدولارات سنويًا، واتفاقيات جديدة تعزز هذا الارتباط. هذا التحول يكشف مفارقة مزعجة: خطاب حقوقي معلن يقابله واقع استثماري يدعم دولة متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.

يشير تقرير مركز CenFA إلى أن "رأس المال الهندي — العام والخاص — متداخل مع البنية المالية التي تُبقي على الاحتلال وجرائم الحرب." هذا التداخل بين سياسات الدولة واستثمارات الشركات يعكس تفضيل الربح والمصالح الاستراتيجية على حساب المسؤولية الأخلاقية، ويطرح أسئلة جوهرية عن التواطؤ في الانتهاكات المستمرة.

النتائج على الأرض واضحة. غزة عانت حصارًا يمنع الغذاء والماء والدواء، وقصفًا دمّر مدارس ومستشفيات، ونزوح عشرات الآلاف وفق تقارير الأمم المتحدة. الاستثمارات الهندية، سواء مباشرة أو غير مباشرة، تسهم في استمرار هذه الدورة. الأنظمة الأمنية، التكنولوجيا العسكرية، ومشروعات البنية التحتية الممولة برؤوس الأموال الهندية تتيح للاحتلال الاستمرار. CenFA يحذر من أن "الاستثمار في المياه أو التكنولوجيا، مهما بدا بريئًا، لا ينفصل عن القمع البنيوي للفلسطينيين."

تؤكد الأمثلة على هذا التشابك: مشاركة "أداني" في مشروعات دفاعية، شراكات "جين إريجيشين" مع "ميكوروت"، وخدمات "ريلاينس" وTCS و"إنفوسيس". جميعها تشكل شبكة من الاستثمارات التي تعزز الاحتلال. التجارة الثنائية بلغت مليارات، والاتفاقيات الاستثمارية الجديدة تعمّق الانخراط. كل صفقة، وكل شراكة، تتحول إلى جزء من منظومة أوسع تدعم المستوطنات والسيطرة العسكرية والحرمان المنهجي.

القانون الدولي واضح: نقل الموارد لدعم الاستيطان أو مشروعات الاحتلال محظور. بانخراطها في هذه المشروعات، تواجه الشركات الهندية مخاطر قانونية وأخلاقية. الأخطر أن هذه المشاركة تُحوّل المال إلى أداة لإدامة المعاناة. كما يقول خبير حقوقي في التقرير: "الدعم المالي والتقني للاحتلال ليس محايدًا، بل يغذي الهياكل التي تنتهك أبسط حقوق السكان المحاصرين."

يدعو CenFA الشركات الهندية إلى إعادة النظر في مشاركتها، ويطالب الحكومة بمواءمة سياساتها التجارية مع معايير حقوق الإنسان. كما تقع مسؤولية على المجتمع المدني في محاسبة الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين. الوعي العام والضغط الشعبي والإصلاحات السياسية خطوات ضرورية لفصل الربح عن القمع.

قصة غزة ليست مجرد حكاية صمود ومقاومة، بل أيضًا مرآة لتواطؤ عبر رأس المال. الاستثمارات الهندية في الدفاع والتكنولوجيا والمياه والبنية التحتية تمنح الاحتلال قوة للاستمرار. حكومة مودي بمضيها في تعزيز علاقاتها مع إسرائيل رغم المأساة الإنسانية، تجسد هذا الانحياز على حساب القيم الحقوقية.

في النهاية، يذكّر تقرير CenFA بأن "كل استثمار يحمل خيارًا أخلاقيًا؛ وفي غزة يصبح هذا الخيار صارخًا لا لبس فيه." حيث يتدفق الربح بلا قيود، تتحول المعاناة الإنسانية إلى عملة، وغزة تدفع الثمن.

https://www.middleeastmonitor.com/20250925-profit-and-complicity-how-indian-investments-sustain-israels-occupation/